في مرآة السقوط: قراءة تحقيقيّة معمّقة في انكشاف ما كان مستورًا في دهاليز التحكيم والرياضة المصرية.

كرة قدم مشقوقة ونصف استاد مظلم بأوراق تحكيم مبعثرة، ترمز لانكشاف فساد الرياضة المصرية.

حين تنكشف الغابة بعد احتراق أوراقها

في لحظاتٍ بعينها، لا تحتاج الحقيقة إلى من يبحث عنها؛ بل هي التي تنهض بنفسها من تحت الركام، وتفرض حضورها، وتُسقط الأقنعة التي طالما وُضعت فوق وجوهٍ احترفت صناعة الوهم.
 وفي تاريخ الرياضة المصرية، كانت هناك دومًا “مرويات”، و”اتهامات”، و“روايات ظلّية” يدور بعضها حول تحكيمٍ منحاز، ولجانٍ تُدار في الخفاء، وقراراتٍ تُصاغ في غرف مغلقة، و“بطولاتٍ” تُنسب لأقدام اللاعبين بينما حُسمت في ظنّ بعضهم في مكاتب الإداريين.

وكانت هذه التصوّرات تُرمى دائمًا في خانة “نظرية المؤامرة”، وتُسخر منها الشاشات، ويتبرّأ منها العقلاء، بل ويُعاقَب من يروّج لها باعتباره ناقلًا للفتنة ومعاديًا لـ“النزاهة الرياضية” التي تُقدَّم في الخطاب الرسمي باعتبارها خطًا أحمر.

غير أنّ الأيام بما تحمله من مفاجآت تأبى إلا أن تفتح الملفات المغلقة، وتكشف ما ظلّ لسنوات في مقام الهمس.
 وقد شهدت الساحة الرياضية المصرية في الأيام الأخيرة جملةً من التصريحات والاعترافات والحوارات العلنية التي وضعت كثيرًا من “المسلّمات” في موضع السؤال، وأعادت فتح الجراح القديمة التي حاول البعض ترقيعها بالشعارات.

والتحقيق الذي بين يديك ليس دفاعًا عن نادٍ، ولا اتهامًا لآخر، ولا وقوفًا في خندق فريقٍ ضد فريق؛ بل هو محاولة لقراءة ما ظهر على السطح من اعترافات، وإعادة تركيب الصورة.
 لأن الحقيقة في الرياضة كما في السياسة لا تُولد من فراغ، ولا تظهر فجأة، بل تتشكّل من شظايا صغيرة لا يراها أحد، حتى تجتمع يومًا فتصير صخرةً تهوي فوق رأس الكذب.

سنبدأ من الاعتراف الأشهر:
 اعتراف الحكم محمد الصباحي.
 ثم ننتقل إلى رواية الحكم الدولي محمود البنا.
 ثم ننتهي إلى الملف الأكثر حساسية: أرض نادي الزمالك وما دار حولها من كلام.

على أن السؤال الأكبر يظلّ ماثلًا أمامنا من البداية إلى النهاية:
 أهي مصادفة أن تتتابع هذه الوقائع جميعًا في يومٍ واحد؟ أم أننا أمام مشهد انهيارٍ كامل يخرج من الظلّ إلى الضوء؟

اعتراف محمد الصباحي… حين يتكلّم من كان صامتًا

1. مشهد على الهواء: اعتراف لا يحدث كل يوم

ظهر الحكم السابق محمد الصباحي على شاشة قناة «أون تايم سبورت» في لقاءٍ مع الإعلامي إبراهيم عبد الجواد، فسأله الأخير سؤالًا عاديًا في ظاهره عن أسوأ قرار تحكيمي اتّخذه في حياته المهنية.
 كان المتوقع أن يروي الرجل موقفًا واحدًا، قرارًا ضبابيًا، لمسة يدٍ لم يرها، أو عرقلةً لم ينتبه لها.

لكن الصباحي لم يفعل هذا.
 بل قال في جملة قصيرة وضاربة في عمق الوجدان الرياضي إن “أسوأ قرار” لم يكن قرارًا واحدًا… بل مباراة كاملة.

كانت تلك المباراة هي لقاء الأهلي وبتروجيت في موسم 2014–2015، المباراة التي أخطأ فيها بحسب اعترافه في ثلاث ركلات جزاء كاملة:
 ركلة لبتروجيت، وركلتان للأهلي.
 وقال الرجل دون مواربة:

“ماكنتش شايف… وماكنتش في يومي.”

هذه الجملة وحدها كانت كفيلة بأن تُسقط كثيرًا من تفسيرات الماضي.
 فإذا كان الحكم يعترف بأنه في تلك المباراة أخطأ في الاتجاهين، فذلك ينسف الادعاء الذي روّج البعض له طويلًا بأن الفريق الفلاني كان وحده “المجدوَل” للمحاباة، وأن منافسيه كانوا دائمًا الضحايا.

2. لعبة النقاط: كيف تُدار البطولات في ظنّ المتحدّث؟

يرى المتحدث في المقطع الأصلي أنّ “توجيه بطولة الدوري” لا يكون أبدًا عن طريق مجاملة فريقٍ واحدٍ فقط، بل قد يتم عبر ظلم المنافس، أو عبر خفض نقاطه في مباريات معينة، بما يضمن أن تظلّ المسافة الحسابية في متناول اليد، ثم تأتي اللحظة الحاسمة في النهاية ليذهب اللقب لمن خُطّ له الطريق.

وهذه الرؤية سواء قُبلت أو رُفضت تمثّل طريقة تفكير جمهورٍ واسع ظلّ لسنوات يشعر بأن النتائج لا تُصنع فقط داخل الملعب، بل تصنعها أحيانًا القرارات التحكيمية التي تتراكم ببطءٍ دون ضجيج.

ومن هنا، فإن اعتراف الصباحي بحسب المتحدث لا يحمل دلالة فنية فحسب، بل دلالة سياسية–رياضية:
 إذ ينسف السردية التي صوّرت ذلك الموسم باعتباره موسم “المجاملة المطلقة” لنادٍ دون آخر.

3. لماذا الآن؟

السؤال الذي طُرح بقوة هو: لماذا اعترف الصباحي الآن؟
 هل ضميره ألحّ عليه؟
 هل تبدّلت ظروفه؟
 هل رأى أن الحقيقة أفضل من الصمت؟

أم وهذا احتمال آخرهل أصبح المناخ العام يسمح بأن يُقال ما كان لا يُقال؟

إن الاعترافات لا تأتي في فراغ… بل تأتي حين يتصدّع الجدار.


محمود البنا… شهادةٌ من قلب غرفة التحكيم

1. ظهور على الهواء… ورواية جديدة

بعد ساعات من اعتراف الصباحي، ظهر الحكم الدولي محمود البنا الذي أعلن اعتزاله حديثًا في برنامج «المواجهة»، ليفتح بدوره بابًا آخر للحيرة والتساؤل.

كانت التهمة التي لاحقته طوال الفترة الماضية تقول إنّه استُبعد من القائمة الدولية “مجاملة للأهلي” بسبب أخطاء تحكيمية في مباراة الأهلي وسيراميكا.
 لكن البنا فاجأ الجميع بقوله إن قرار استبعاده كان منذ أوائل أكتوبر.
 وأن المباراة المثارة كانت بعد القرار بشهرين كاملين.
 وبالتالي فليس ممكنًا منطقيًا أن تكون المباراة سببًا في قرارٍ اتُّخذ قبلها.

2. ظلمٌ من اللجنة… لا من الأندية

قال البنا:

“استبعادي ظلم… وفيه ناس كتير اتظلمت معايا.”

وقال أيضًا إن لجنة الحكّام تردّدت طويلًا في إعلان القائمة الدولية لأنها ببساطة تعلم أن الاستبعاد لا يستند إلى وقائع مهنية قوية.

هذه الجملة وحدها تكشف جانبًا مُظلِمًا في منظومة التحكيم:
 قرارات تُتخذ لأسباب غير واضحة، أسماء تُرفع، وأسماء تُحذف، ولجانٌ لا تملك الشجاعة الكافية لإعلان قوائمها خوفًا من ردود الفعل.

3. سقوط رواية خالد الغندور

كان الإعلامي خالد الغندور قد روّج سابقًا لرواية تقول إنّ استبعاد البنا كان “مجاملة للأهلي”.
 لكن الرجل المعنيّ نفسه نفى ذلك، وأكد أن ما قيل في حقّه افتراء.

وبذلك وفق المتحدث تسقط إحدى أهم الروايات التي استُند إليها للترويج لفكرة سيطرة نادٍ بعينه على لجان الاتحاد.

4. ما وراء السطور

هل البنا يقول الحقيقة كاملة؟
 هل يخفي شيئًا؟
 هل اللجنة فعلاً ظالمة؟
 هل هناك ضغط سياسي أو إداري؟
 كلّ هذه الأسئلة تبقى مفتوحة.

لكن المؤكد أن شهادته تضاف إلى اعتراف الصباحي، فتُجمع قطع الصورة التي بدأت تتشكل.

فضيحة أرض الزمالك… الملف الذي لا يريد أحد فتحه

1. الوزير يتكلم: لا مؤامرة… بل مخالفات

انتقل المتحدث أخيرًا إلى الملف الأكثر حساسية: أرض نادي الزمالك في منطقة أكتوبر.

في حوارٍ مع الإعلامي أحمد شوبير، قال وزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي إن الأرض خاضعة حاليًا لتحقيقات بسبب مخالفات إدارية.
 وأن سبب هذه التحقيقات ليس الدولة، ولا الأطراف المنافسة، بل أفراد من داخل نادي الزمالك نفسه.

هذا وحده كافٍ لإسكات الجدل الذي صوّر الأمر مؤامرةً من الدولة ضد النادي.

2. خمسٌ وعشرون سنة… بلا تطوير

قال الوزير إن الأرض بقيت 25 عامًا دون تطوير، وإن استخدامها لم يكن متوافقًا مع شروط العقد الأصلي.
 وأن الدولة، حين تحركت، تحركت لأن هناك شبهة إهدار قيمة الأرض.

3. “إذا سُحبت الأرض… سنوفر بديلًا”

قال الوزير جملة مهمة:

“لو الأرض اتسحبت… الزمالك مش هيفضل من غير أرض.”

وهذه الجملة التي تجاهلها كثيرون تفيد أن الدولة لا تريد تدمير النادي، بل تريد تصحيح المسار القانوني.

4. خطاب المظلومية… من أين يأتي؟

يرى المتحدث أن خطاب المظلومية الذي روّج له بعض الإعلاميين لم يكن له أساس، وأن تصريحات الوزير نسفته نسفًا، ووضعته في موضعه الصحيح.

5. أزمة الثقة

لكن رغم كل ذلك، يظلّ لدى جماهير الزمالك شعور عميق بأن ناديهم يتعرض دائمًا لهزّات متتالية.
 وهذا الشعور في حد ذاته أحد عناصر الأزمة الكبرى في الكرة المصرية:
 أزمة ثقة.

ما الذي يجمع هذه الوقائع؟

1. سقوط النظريات… أم انكشاف الواقع؟

اجتمعت هذه الأحداث في يومٍ واحد، كما لو أن القدر أراد أن يقول:
 لقد آن أوان الحقيقة.

اعترافات حكّام.
 تصريحات وزير.
 شهادات من داخل العمق الإداري للرياضة.

فهل هذا مجرد صدفة؟
 أم أننا أمام لحظة انهيار سرديّ كامل؟

2. الصمت الذي انهار

سنوات طويلة ظلّ كثيرون يتحدثون عن:
 - مجاملات تحكيمية
 - تدخلات إدارية
 - قرارات خارجية
 - تلاعب في القوائم
 - تواطؤ لجان
 - استغلال سياسي للرياضة
 - ضغوط من أندية كبرى
- أوراق مخفية

وكانت كل هذه الاتهامات تُصنَّف باعتبارها “أوهامًا”، حتى جاء هذا اليوم.

3. من المستفيد؟

سؤال لا بد أن يُطرح:
 من المستفيد من اعترافات كهذه؟
 وهل خرجت بعفوية؟
 أم خرجت في سياق إعادة تشكيل المشهد الرياضي؟

لا أحد يعرف على وجه اليقين.
 لكن المؤكد أن هذه الاعترافات مهما كان سبب ظهورها أحدثت زلزالًا في الوسط الرياضي.

قراءة في السياق الأكبر

1. رياضة بلا ثقة… هي كرة بلا روح

الرياضة المصرية في السنوات الأخيرة فقدت عنصرًا مهمًا: الثقة.
 لم يعد المشجع يثق في الحكم، ولا في اللجان، ولا في القرارات التأديبية، ولا في اتحاد الكرة.
 وبات كل خطأ يُقرأ سياسيًا، وكل قرار يُفسّر بميزان المؤامرات.

2. الإعلام… من يحاسب من؟

تحوّل الإعلام الرياضي إلى ساحات:
 - صراخ
 - تحريض
 - شتائم
 - تسويق للفتنة
 - مزايدات
- خطاب كراهية

حتى غاب التحليل، وغابت المهنية، وتحول الإعلام إلى لاعبٍ رئيسي في خلق “الرواية” التي يريدها.

3. غياب الشفافية

لا أحد يشرح للجمهور:
 - كيف تُعيّن اللجنة؟
 - لماذا يستبعد حكم؟
 - ما المعيار؟
 - من يقرر؟
 - من يراقب؟

غياب الشفافية يخلق الفراغ، والفراغ تملأه الشائعات.

4. الدولة… أين تقف؟

من الواضح أن الدولة تدخل على الخط حين تتفاقم الأمور، لكنها تترك المساحة واسعة حتى تفسد.
 والرياضة في بلدٍ مؤسّسي يجب أن تخضع لمنظومة حاكمة واضحة، لا لسياسة رد الفعل.

ماذا بعد؟

1. التحكيم… هل يتغير؟

الاعترافات تفتح الباب لإصلاح عميق، لكن هذا لن يحدث دون:
 - لجنة مستقلة
 - اختبارات واضحة
 - شفافية مطلقة في اختيار الحكام
 - نشر تقارير الأداء علنًا
 - محاسبة فعلية للحكم المخطئ

2. الإعلام… هل يعود إلى رشده؟

الكرة المصرية تحتاج إعلامًا:
 - يحلّل
 - يفكّك
 - يحقق
 - يراقب

لا أن يكون جزءًا من المشكلة.

3. الأندية… هل تكفّ عن إشعال النار؟

الأندية الكبيرة قبل الصغيرة يجب أن تدرك أنها مسؤولة عن تهدئة المشهد، لا عن إشعال الفتن.

4. الجمهور… هل تعود ثقته؟

الثقة لن تعود إلا إذا رأت الجماهير:
 - عدالة
 - شفافية
 - نزاهة
 - قرارًا لا يُراجع في غرف مغلقة
 - حكمًا لا يخشى لون القميص
 - اتحادًا لا يخضع لأحد

وم انكشف فيه ما كان مستورًا

يقول المتحدث في نهاية المقطع:

“دوري القطايف يكشف كل يوم ما كان مستورًا.”

وقد يكون الرجل مبالغًا في وصفه، لكنه بالتأكيد لامس شعورًا جمعيًا بأن الرياضة المصرية لم تعد تتحمل مزيدًا من الظلام.

فاليوم، لا تسقط فقط نظريات المؤامرة…
 بل يسقط معها جدار الصمت.
 وتظهر الحقيقة مهما حاول البعض إخفاءها من بين الشقوق التي لم يعد أحد قادرًا على ترقيعها.

وإذا كانت الرياضة مرآة المجتمع، فإن ما يحدث اليوم يقول الكثير عن:
 - الصراع
 - الفوضى
 - غياب الشفافية
 - انهيار الثقة
 - تسييس الرياضة
 - وتداخل المصالح

لكن الأمل باقٍ…
 لأن لحظة الاعتراف مهما كانت مؤلمة هي أول الطريق نحو الإصلاح.

وهنا يبدأ السؤال الأهم:
 هل هذه الاعترافات مجرد زوبعة… أم بداية عهد جديد؟

لا أحد يعرف.
لكن ما نعرفه يقينًا هو أن الأيام القادمة ستكشف المزيد…
فالحقيقة كما قال نجيب محفوظ كالشمس… لا تُحجب بغربال.

Alahly SC 


Comments

Popular posts from this blog

Kanye West & Bianca Censori at the 2025 Grammys: Controversy, Fashion, and Speculation

The Largest Countries in Debt as of 2025: A Global Economic Overview

الأزمة الخفية في القطاع المصرفي المصري: لماذا يهرب الموظفون من البنوك وكيف يواجهون بيئة العمل السامة؟